ملعب هونج كونج- من كارثة وادي السعادة إلى كأس السوبر السعودي

في يوم 26 من شهر فبراير لعام 1918، شب حريق مهول في ميدان سباق الخيل بوادي السعادة "Happy Valley Racecourse" الذي يقع في منطقة "سو كون بو" جنوب مدينة هونج كونج، وذلك أثناء إقامة أحد سباقات الخيل المعهودة. بعد مرور ما يقارب القرن وسبعة أعوام على هذه الحادثة المأساوية، سيشهد هذا المكان تحديدًا استضافة منافسات كأس السوبر السعودي لعام 2025، والتي ستجمع أقطاب كرة القدم السعودية، الاتحاد والنصر والقادسية والأهلي، وذلك في الفترة ما بين 19 و23 من شهر أغسطس القادم.
في ذلك اليوم المشؤوم، امتلأت مدرجات الميدان عن آخرها بالجماهير الشغوفة التي جاءت لمشاهدة هذا الحدث الرياضي السنوي، والذي يقام احتفالاً برأس السنة القمرية. نتيجة لهذا التزاحم الشديد والضغط الهائل، انهارت أجزاء من المدرجات بشكل مفاجئ، وتبع ذلك سقوط أكشاك الطعام التي كانت مخصصة لتقديم الخدمات للزوار، مما أدى إلى اشتعال النيران في مواقد الطهي، وتسبب ذلك في كارثة بشرية أودت بحياة ما بين 590 إلى 614 شخصًا.
تم دفن الجثث المتفحمة لضحايا الحريق في مقبرة تقع على تلة مرتفعة تطل على الميدان، وظلت هذه المقبرة شاهدة على الفاجعة لما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن، حتى قررت الحكومة المحلية نقل رفات الضحايا إلى منطقة أبردين، وذلك بهدف بناء ملعب جديد متعدد الاستخدامات في الموقع.
تم الانتهاء من تشييد هذا الصرح الرياضي الجديد في عام 1953، وصمم على هيئة حرف U، مع مدرجات مغطاة جزئيًا تتسع لحوالي 28 ألف متفرج، وأطلق عليه اسم "ملعب الحكومة".
ونظرًا لكون الملعب يفتقر إلى سقف كامل يغطيه بشكل شامل، بالإضافة إلى عدم وجود مقاعد مريحة وأنظمة إضاءة كافية، اقترح نادي هونج كونج الملكي للفروسية خطة طموحة لإعادة إعمار الملعب، وذلك بهدف تحويله إلى ملعب رياضي ذي مواصفات عالمية المستوى يليق بمكانة البلاد.
حظي هذا المقترح بموافقة الحكومة، وبدأت على الفور إجراءات إعادة بناء الملعب بتصميم مستطيل الشكل، وزيادة سعته الاستيعابية لتصل إلى 40 ألف متفرج، إلا أن محدودية مساحة الأرض المتاحة فرضت التخلي عن مضمار الجري، مما حال دون استضافة الملعب لفعاليات ألعاب القوى في المستقبل.
بعد منافسة قوية، فازت شركة ويمبلي إنترناشونال، المالكة لملعب ويمبلي الشهير في العاصمة البريطانية لندن، بعقد إدارة هذا المرفق الرياضي، الذي افتتح رسميًا في عام 1994 تحت اسم "ملعب هونج كونج الدولي".
ومع ذلك، واجهت الشركة انتقادات حادة بسبب سوء حالة أرضية الملعب تحت إدارتها، وتضررت سمعتها على الصعيد العالمي عندما صرح المدرب الأسطوري لفريق مانشستر يونايتد، الاسكتلندي أليكس فيرجسون، قبل مباراة ودية جمعت فريقه بنظيره ساوث تشاينا الهونج كونجي في 20 يوليو 1997، قائلاً: "أرضية الملعب في حالة يرثى لها، فهي رملية بالكامل، والعشب لا يتماسك بشكل جيد، وهذا قد يتسبب في إصابات للاعبين".
وعلى إثر هذه الانتقادات اللاذعة، قامت الحكومة بفسخ عقد الشركة، واضطرت لاحقًا، وبعد نزاعات قضائية طويلة، إلى دفع تعويض مالي للشركة يزيد عن 20 مليون دولار أمريكي، وذلك بسبب هذا القرار المفاجئ.
في الوقت الحاضر، تتولى إدارة الخدمات الترفيهية والثقافية في هونج كونج الإشراف على الملعب.
يعتبر هذا الملعب بمثابة المسرح الرئيسي لمباريات منتخب هونج كونج الوطني، كما تستخدمه أندية ساوث تشاينا وكيتشي وبيجاسوس وإيسترن سبورتس كملعب رئيسي لها.
استضاف الملعب العديد من المباريات الاستعراضية المثيرة، وشهدت أرضيته مرور منتخبات عالمية مرموقة، بما في ذلك منتخبا الأرجنتين وإنجلترا، بالإضافة إلى فرق عملاقة أخرى خلال جولاتها الآسيوية، مثل الخماسي الإنجليزي الشهير أرسنال وتشيلسي وليفربول ومانشستر سيتي ومانشستر يونايتد، فضلاً عن أتلتيكو مدريد وبرشلونة وريال مدريد، الأقطاب الثلاثة الكبار في إسبانيا، وإيه سي وإنتر ميلان الإيطاليين، وباريس سان جيرمان الفرنسي، وساو باولو البرازيلي وغيرهم.
كما استضاف الملعب جميع منافسات كأس آسيا لعام 1956، وذلك عندما كان يحمل اسم ملعب الحكومة قبل تجديده، وشهد تتويج المنتخب الكوري الجنوبي بلقب البطولة القارية، بينما حاز منتخب هونج كونج على المركز الثالث.
وبينما سيخوض رباعي السوبر السعودي تجربة اللعب على هذا الملعب للمرة الأولى، فإن فريق الهلال السعودي يعرفه جيدًا، رغم اعتذاره عن عدم المشاركة في هذه البطولة، وذلك لخوضه مباراتين عليه في مسابقة الأندية الآسيوية عام 1998، حيث خسر أولى المباراتين أمام بوهانج ستيلزر الكوري الجنوبي بهدف نظيف في الدور نصف النهائي، وفاز في المباراة الثانية على بيرسبوليس الإيراني بنتيجة 4-1، ليحقق المركز الثالث في البطولة.
وبالإضافة إلى كرة القدم، يستضيف الملعب أيضًا منافسات في رياضتي الرجبي والكريكيت، كما تقام عليه بين الحين والآخر مناسبات ترفيهية وحفلات غنائية، إلا أن عددها محدود بسبب القيود التي فرضتها الحكومة على مستوى الصوت المسموح به منذ عام 1999، وذلك استجابة لشكاوى السكان المحليين القاطنين في الأحياء السكنية المحيطة بالملعب، والذين تضرروا من الضجيج الناتج عن تلك الفعاليات.